وضعت رصاصة في رأس زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن خلال عملية نفذتها قوات "كوماندوز" أمريكية داخل الأراضي الباكستانية نهاية للرجل الذي ظلت الولايات المتحدة لسنوات طويلة تلاحقه حتى أمكن لها الوصول إلى مكان اختبائه، ليعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ساعة مبكرة من صباح الاثنين مقتله، وهو الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة حول الحادث قوبلت بحالة ترحيب على المستويات الرسمية في العديد من الدول الغربية والإسلامية، لكن رد فعل الإسلاميين جاء مستنكرًا لاغتياله، وذهب البعض إلى وصفه بأنه عمل "إجرامي وخائن".
واعتبر المحامي الإسلامي مختار نوح في تعليق لـ "المصريون"، أن "تلك الحادثة عمل إجرامي وخائن ولا تشرف أمريكا لأنها أتت بخيانة من المخابرات الباكستانية لرجل يقيم بمقتضى موافقة الحكومة وليس هارب ومختبئ في البلد".
واتهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه يمثل أحد حلقات الإجرام الأمريكي ضد الإسلام والمسلمين، ويسعى لزيادة شعبيته بين الشعب الأمريكي على حساب قتل الأبرياء، لأن "بن لادن من الناحية الدولية مواطن بريء يقاوم الاحتلال، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه في أفكاره التي قد يختلف معه بصورة كبيرة، لكنه يعد من الناحية القانونية مناضلاً".
وأضاف إن أمريكا تدين قتل المدنين إذا كانوا من رعاياها أو من رعايا إسرائيل، لكنها ترحب بقتل المدنين إذا قامت هي بقتلهم، محذرا من السياسية الأمريكية التي وصفها بـ "الغبية" ستفتح بابا من الانتقام لن يغلق، فهي وإن كامت تملك جيشا يستطيع بالتعاون مع الأنظمة الاخري أن يقتل رجلا داخل بيته لكنه النظامي لا يستطيع أن يحمي ملايين الأمريكيين في العالم.
وتساءل نوح: إذا قام أتباع بن لادن بقتل أي مدني أمريكي فبأي حق سيتعاطف العالم مع المدنيين الأمريكيين أذا كانت أمريكا تفعل ذلك مع المدنين في العالم كله؟.
ورأى أن ما ورد في خطاب أوباما بجامعة القاهرة في عام 2009 لمحاولة تلطيف العلاقة بين المسلمين هو كذب حينما زار المسجد أنه ليس بينه وبين الإسلاميين عداوة وادعى أنه يكن الاحترام للشعوب الإسلامية بينما في الحقيقة قام بمحاربة المسلمين بالعالم بصورة أكبر من التي فعلها سلفه جور بوش.
واتهم أوباما بأنه ينافس بوش في العنصرية الدينية والدليل على ذلك موقفه من القضايا الخاصة بالشعوب الإسلامية في العالم كله، بدءا من قضية شعب غزة التي تآمر فيها لمنع أي إدانة لإسرائيل فيها وانتهاء بقضية كشمير التي لا يزال ساعدا في احتلالها.
وفسر عدم عرض جثة بن لادن بعد مقتله من جانب الحكومة الأمريكية التي قالت إنها تحتفظ بها بأنه ربما تم التمثيل بجثته أثناء نقله وإذا تم عرضها ستكون جريمة جديدة للولايات المتحدة.
وقال إن هناك سرا في مسألة عدم عرض جثة بن لادن الحقيقية لا يستطيع أوباما البوح به ولذا يريد دفنه في البحر بشكل مهين، وخاصة أنه حينما تم شنق الرئيس العراقي السابق صدام حسين بشكل علني فأنه خلق مناخا من الكراهية للولايات المتحدة بالعالم وأدت إلى إيجاد شعبية كبيرة وتعاطف مع صدام حتي من الكارهين له وسياساته السابقة.
من جانبه، وصف المحامي نزار غراب، بن لادن بأنه "كان يمثل رمزا لعزة المنطقة الإسلامية في مواجهة الاستكبار الأمريكي وكان يمثل رمزا للمقاومة والدفاع عن الحقوق في ظل حكام عملاء يسعون إلي المنطقة للإستراتيجية الأمريكية".
وقال إن قتل بن لادن لا يعد نصرا للولايات المتحدة، لأن العلاقة القائمة الظالمة سوف تثمر عن مقاومين جدد لهذه العلاقة، وهي الهيمنة الأمريكية علي المنطقة وستحدث نشاطا في صفوف تنظيم "القاعدة" أو الراغبين في الانتقام من مقتل بن لادن.
وانتقد الحكومة الأمريكية التي يرى أنها لا تزال مصرة على قراءة معكوسة لمجريات الأحداث فبدلاً من أن تكون قائمة على قيم العدل والإنسانية واستقلال المنطقة ومواجهة الفقر والبطالة ومشاكل المنطقة، تقوم علي شخصنة الموضوع والتعامل مع الموضوع باعتباره معركة شخصية مع بن لادن وهي قراءة غير صحيحة بالمرة.
وذكر أن الوقائع التاريخية تؤكد أنه رغم أن بن لادن كان هاربا لكن نشاط تنظيم "القاعدة" لم يتوقف فغيابه لن يؤثر كثيرا علي أداء المقاومة ضد الهيمنة الأمريكية. ورأى أن هناك محاولة لفتح ملف القاعدة واستخدام الفزاعه الإسلامية من جديد من جانب الأمريكان، خاصة بعد الثورات العربية والتي أوضحت من كان الجاني الظالم ومن كان المجني عليه وأوضحت الصورة الحقيقية للإسلاميين، وقال إن الولايات المتحدة تتمسك بمورثات الملف الإعلامي القديمة كي يتم التغطية علي جرائمها التي هي ضد الإنسانية والشرعية الدولية.
متفقا معه في الرأي، أكد ممدوح إسماعيل محامى الجماعات الإسلامية، أن الولايات المتحدة لم تحقق أي نصر باغتيالها زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن, مشيرا إلى أن الأمريكيين قتلوه خارج نطاق العدالة والقانون وانتهكوا حقوق الإنسان التي يتشدقون بها ويصدعون بها آذاننا ليل نهار.
وقال أن الأمريكيين لم ينتهكوا فقط مبادئ حقوق الإنسان بل انتهكوا أيضا سيادة دولة مسلمة هي باكستان وتصرفوا بنفس العقلية الهمجية للكاوبوى, وأشار إلى أن قتل بن لادن ليس هزيمة له أو لتنظيم "القاعدة" خاصة وأن بن لادن كان يسعى لتحقيق هدفين في حياته، وهما إما النصر أو الشهادة.
واتهم إسماعيل الحكومة الباكستانية بأنها تواطأت مع الرئيس الأمريكي في عملية اغتيال بن لادن لاستغلال هذا الحادث في زيادة شعبية باراك أوباما في الانتخابات القادمة، ومساعدته في الحصول على تأييد الأمريكيين ليصبح رئيسا لفترة رئاسية ثانية، حيث سيتم الترويج على أنه نجح في توجيه ضربة قاصمة لما يسمى بالإرهاب, خاصة وأنه فشل في تحقيق أي إنجاز يقدم نفسه به للأمريكيين في الانتخابات القادمة.
وأعرب عن اعتقاده بأن الشعب الباكستاني سينتقم من الأمريكيين المتواجدين على الأراضي الباكستانية وسيوجه ضربات موجعة للمصالح الأمريكية هناك, وأن الشعب الباكستاني سيحاسب حكومته حسابا عسيرا على تواطئها مع الأمريكيين وتفريطها في السيادة الوطنية لباكستان.
كما توقع أن تقوم حركة "طالبان" بتوجيه ضربات قاصمة وموجعة للاحتلال الأمريكي في أفغانستان انتقاما لبن لادن ولإثبات أن الحركة لم تتأثر باغتياله, وقال إن "طالبان" ستستغل تحسن الطقس ودخول فصل الربيع لتقوم بعمليات عسكرية موجعة ضد الامريكيين في أفغانستان.
فيما حذر الشيخ أبو عمر المصري إمام المركز الإسلامي في ميلانو بإيطاليا، الذي تعرض للاختطاف على يد المخابرات الأمريكية عام 2003 وتم نقله للسجون المصرية الإدارة الأمريكية من أن لعنة بن لادن ستصيبها.
وقال متوجها للرئيس الأمريكي وإدارته: "لا تفرحوا لأن لعنة دم بن لادن ستطاردكم في كل مكان وسيفتح مقتله أبواب الجحيم عليكم", وأكد أن المسلمين لن يسكتوا على مقتل بن لادن بغض النظر عن الاتفاق معه في كل أفكاره أم لا, مشيرا إلى أن الأمريكيين قتلوا نفسا مسلمة لا لشئ إلا لكونه مسلما يجاهد ضد الاحتلال الأمريكي لبلاد المسلمين.
وأعرب أبو عمر عن اعتقاده بأن الأيام القادمة ستشهد أعمالا انتقامية ضد جميع المصالح الأمريكية في أنحاء العالم إلا أنه أعرب عن أمله في أن لا تشهد الأراضي المصرية أية أعمال انتقامية ضد المصالح الأمريكية حتى لا يؤدى ذلك إلى تعطيل مسيرة الثورة المصرية. وأكد أبو عمر أن بن لادن كان يسعى لنيل الشهادة وأنه هو الفائز والمنتصر, أما الأمريكيون فسيكتشفون أنهم الخاسرون .
بدوره، وصف منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية مقتل بن لادن بهذه الطريقة بأنها استخفاف بالعرب وقال إن دفنه في البحر "بجاحة وقلة أدب من أمريكا"، وناشد السعودية بضرورة التدخل من أجل استلام جثة بن لادن ودفنه في موطنه، لأن هناك أصولا لدفن المسلمين وليس بطريقة إلقائه في البحر.
وأضاف في اتصال هاتفي مع فضائية "الجزيرة": "ليس هناك خوف لتحول قبر بن لادن لمزار للجماعات الإسلامية أو تنظيم القاعدة، وأرجو أن تطالب السعودية بجثمان بن لادن وهذا سيحقق لها مصداقية واحترام العالم الإسلامي والعربي، باعتباره مواطنا سعوديا وأن تعلن بأنه لن يصبح رمزًا أو مزارًا.
وأكد الزيات، أن أمريكا تخاف من بن لادن حيًا وميتًا تخشى أن يتحول لرمز وهو بالفعل رمز في قلوب الناس.
وعن علاقة الجماعات الإسلامية بمصر ببن لادن و"القاعدة"، قال الزيات: "لا علاقة بين التنظيمات الجهادية المصرية والقاعدة بالعكس بعض القيادات التي حاولت الاندماج في القاعدة خرجت من التنظيمات الجهادية بمصر لأنهم رآوا أن هذا الدمج يخرج الجهاد المصري عن أهدافه الأصلية".
وأشار إلى أن "هذا التوتر الذي حدث حول الاندماج أو عدم الاندماج في القاعدة أدى إلى عدم وجود عناصر لبن لادن في مصر، خاصة وأن الجماعات الإسلامية في مصر اتخذت مواقف حاسمة ورفضت سياسات بن لادن، وبالتالي حدثت قطيعة ظاهرة وواضحة وظهرت في كتب وأبحاث الجماعات الإسلامية في عمليات تبنتها "القاعدة" ورفضتها الجماعات الإسلامية في مصر، مثلما حدث من وقائع في سيناء وبالتحديد في شرم الشيخ وطابا لعناصر كانت تنتمي للقاعدة ورفضتها الجماعات الإسلامية".
وقال الزيات إن بن لادن حول "القاعدة" من تنظيم حركي على الأرض لفكر غزا به الحدود في مصر والعراق واليمن وشبه الجزيرة العربية وليبيا والمغرب العربي، وأضاف أنه ليس معنى أن أمريكا تمكنت من مقتل بن لادن أنها بذلك قضت على القاعدة أو الجهاد، بالعكس فالجهاد سيستمر ضد أمريكا المحتلة لبلاد الرافدين حاليًا .
وكانت تقارير أمريكية ذكرت أن جثمان زعيم "القاعدة" دفن في البحر بعد تجهيزه وفقًا للشريعة الإسلامية، وذلك بعد إعلان تصفيته بطلقة في الرأس في عملية نفذتها قوة أمريكية خاصة بالقرب من إسلام أباد.
وأعرب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر عن إدانته لهذا الأمر إن صح، مؤكدا أنه يتنافى مع كل القيم الدينية و الأعراف الإنسانية. وأكد الإمام الأكبر أنه لا يجوز في الشريعة الإسلامية التمثيل بالأموات مهما كانت مللهم ونحلهم فإكرام الميت دفنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق