بقلم: حبيب الله ولد أحمد
أحداث "الأربعاء القذر" التي هزت جامعة نواكشوط مخزية قبل أن تكون مؤلمة، ومخجلة قبل أن تكون مرفوضة..أحداث مجرم من فجرها أول مرة، ومجرم من شارك فيها، ومجرم من سكت عليها، ومجرم – يقينا- من لم يتحرك لتطويقها..
أحداث برهنت على أننا لا نملك جامعة جديرة بالاحترام ..إنها "مفرقة" وليست جامعة ولا مانعة، ومن المخجل - حد الانطواء - أنها انهارت كصرح أريد له - ذات حلم وطني- أن يكون علميا في بلد يشتهر بالعلماء، ويقدس رسالتهم وتحولت إلى عنبر دجاج تذل "ديكته" الكبيرة صغار "الصيصان" وتستبيح "الدجاجات" الكسيحة !!..
ليس من المهم الآن- ونحن نحاول رأب الصدع- الحديث عن أسباب الأحداث، ومن البادئ في افتعالها أولا، وتغذيتها ثانيا، ولذلك علينا القول - بكل وضوح - إنها لم تكن أحداثا عرقية عنصرية بقدر ما كانت تصفية لحسابات سياسية ضيقة، وانفجارا لفقاعات تحالفات سياسية نقابية جامعية - أريد بها امتطاء ظهور الطلاب المحنية بؤسا وظلما وانسحاقا وانسدادا للأفق - بنيت على باطل فظهرت تحت شمس الحقيقة هشة واطئة لا يمكن التعويل عليها..
لو أن الأمر وقع في ساحة عامة أو شارع أو سوق لأمكن - ولو كذبا - وصفه بأنه مناوشات عرقية طائفية، أما وأنه وقع في جامعة البلاد الوحيدة، والتي يفترض أنها ملتقى نخبتها وقواها الحية فلابد من الاعتراف بأنه صراع سياسي لا ناقة للطلاب - زنوجا وعربا وملونين- فيه ولا جمل.
لا يمكنني أن أصدق أن طالبا موريتانيا- وطنيا في جامعة وطنية في عاصمة موريتانيا الموحدة- يمكن أن يدخل الحرم الجامعي مسلحا بأي نوع من السلاح لإرهاب أبناء وطنه وتخويفهم..ولا استسيغ أبدا أن خلافا انتخابيا - هنا أو هناك -يمكن أن يدفع طلابا يفترض أنهم وطنيون مثقفون ومحترمون للتهارش كديكة محاصرة بالمياه الساخنة..!!
وعلينا القول إن من قاموا بافتعال تلك الأحداث المفجعة- ومن كل الأطراف داخل الجامعة وخارجها- ليسو وطنيين أبدا أيا كانوا ومهما كانوا، فهي أحداث برهنت على غياب الحس الوطني- الذي يفترض أن يكون مشتركا لديهم- والذي لا يشترى مع الجنسية وجواز السفر، ولا يكتسب بالإقامة ولو لعمر النبي نوح عليه السلام ..!!
إن أياد خفية أرادت رسم خريطة رعب قاتمة في الجامعة، فحركت بيادقها هنا وهناك، واختارت اللعب بالنار والعواطف، نسفا لكل شيء، وإشاعة للفتنة، وخدمة لأجندات داخلية وخارجية بعضها معروف تاريخيا وبعضها الآخر معروف جغرافيا ، وإلا فما معنى إخراج العنف من حرم الجامعة لاستهداف مواطنين أبرياء من المارة في أرواحهم وممتلكاتهم؟!!
إن من تعارك يوم "أربعاء القذارة" ليس طلابا موريتانيين زنوجا أو عربا..حاشى لله فالموريتانيون- بسواد عينهم وبياضها- أبرياء من تلك الفتنة، وإن استخدم بعضهم لضرب بعض عن سبق إصرار وترصد.
إن مسؤولية تلك الأحداث تقع على الدولة أولا، وإدارة الجامعة ثانيا، واتحادات الطلاب التي اختارت ومنذ تأسيسها أن تكون اذرعا أخطبوطية سامة لتيارات سياسية محلية وخارجية لا هم لها إلا صناعة الاحتقان والتوتر والرعب..أذرع سيست وسممت أجواء الجامعة لأنه يتم التحكم فيها عن بعد وعن قرب في مقرات الأحزاب السياسية الوطنية ودوائر الأمن والمال والقوى الاجتماعية المختلفة بل حتى من عواصم أجنبية ثالثا.!!
لقد شعرنا بالمهانة ونحن نرى نخبتنا تخيب آمالنا فيها، وتحول ساحات الدرس والتحصيل إلى ميادين تتصارع فيه "الكتائب" مع "الكلائب" في مشهد مخجل وغير مبرر..والقراءة الوطنية الصادقة للأحداث تتطلب منا التحرك فورا لتطويق الأزمة، وطي ملفها عن طريق خطوات عاجلة لا تحتمل التأخير من أهمها:
تحمل الدولة لمسؤولياتها كاملة في فرض الطمأنينة العامة في الجامعة ومحيطها.
التدخل لدى القوى السياسية المحلية - وحتى الخارجية- التي تحرك اتحادات ونقابات طلابية لإقناعها بثني منتسبى تلك الاتحادات والنقابات عن المضي قدما في إشاعة الفوضى والشحن الطائفي بين صفوف الطلاب، فليس خافيا على أحد أنه لا يوجد تنظيم نقابي طلابي يملك من أمره شيئا، فحتى القيادات الطلابية المحلية حائرة فالذي يسل سكينه للاعتداء على زميله بحاجة لقرار من خارج الجامعة لمعرفة نوعية السكين والتوقيت المناسب للهجوم بها والضحية المستهدفة..والذي ينتصر في الانتخابات الجامعية بحاجة لقرار من خارج الجامعة لمعرفة الطريقة التي عليه أن ينتصر بها أو ينهزم، ومتى عليه القبول بالهزيمة أو الاستمرار في نشوة النصر حتى ولو كان وهميا!!
القبض على كل من وجد متلبسا بالاعتداء على الناس وممتلكاتهم وإحالته لمحاكمة عادلة، وعدم السماح له بالاستفادة من عفو تتيحه تفاهمات سياسية تسكينية عابرة.
إلزام إدارة الجامعة مستقبلا بالحياد خلال الانتخابات الطلابية، وإمدادها بالقوة اللازمة للسيطرة على الجامعة، وفرض النظام داخلها في المناسبات الانتخابية الطلابية وغيرها.
إلزام ممثلي الطلاب بالابتعاد عن الشحن العنصري والطائفي أثناء حملاتهم الانتخابية ، ومعاقبة من يقوم منهم بأي عمل قولا كان أو فعلا تشتم منه رائحة بث الكراهية والإخلال بالسكينة الجامعية والوطنية العامة.
إلزام الاتحادات والنقابات الطلابية بميثاق شرف يحترم الوحدة والرموز الوطنية الموريتانية،ويتم إنزال العقوبات المتفق عليها مع كل من يخرقه أويتجاوزه.
إصدار بيان مشترك بين النقابات والاتحادات الطلابية المعنية بالأحداث تعلن فيه اعتذارها للموريتانيين عن الخطيئة التي ارتكبتها في حقهم عندما صورت الأمر على أنه صراع طائفي، بينما هو في جوهره وعمقه صراع سياسي قديم ومتجدد.
الابتعاد عن الحلول التسكينية العابرة سريعة الذوبان والمفعول، والبحث بين الدولة وإدارة الجامعة والاتحادات والنقابات الطلابية والأحزاب التي تحركها و تمولها وتحتضنها عن حل حقيقي قوي ومجمع عليه يضمن عدم العودة مستقبلا إلى "خطيئة الأربعاء".
بتلك الخطوات التي يجب أن تبنى - بطبيعة الحال- على أسس الحوار والوطنية والتبصر والحكمة والمساواة وتغليب الضمير الوطني الجمعي، يمكن التحرك معا، ويدا بيد غسلا لعار الأربعاء، وغسلا للجامعة التي حولتها تلك الأحداث البغيضة إلى جامعة للعار و نصب تذكاري للعار والعار وحده!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق